بر الوالدين
۞اَللَّهُمَّ اغْفِرَلِيْ وَلِوَالِدَىَّ وَارْحَمْهُمَا كَمَارَبَّيَانِيْ صَغِيْرًا۞
وقال ابن الأثير رحمه الله:" لبِرُّ بالكسر الإحسان، ومنه الحديث في برّ الوالدين: وهو في حقّهما وحقّ الأقربين من الأهل ضدّ العقوق: وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقّهم "، واصطلاحاً: برّ الوالدين: هو الإحسان إليهما، بالقلب، والقول، والفعل تقرّباً إلى الله تعالى. (2)
………………………….....…………...…...…….............................……………………….
حكمه
التكليفي
لقد أولى الإسلام الوالدين
اهتماماً بالغاً، حيث جعل طاعتهما وبرّهما من أفضل القربات إلى الله تعالى، ونهى كذلك
عن عقوقهما، وشدّد على هذا الأمر كثيراً، كما ورد في القرآن الكرين قوله سبحانه
وتعالى:" وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا
أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا
قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّل مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَبِّي
ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً "، الإسراء/23 .
وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نعبده ولا نشرك به شيئاً، وقد قرن برّ الوالدين بذلك، وكلمة القضاء في الآية السّابقة جاءت بمعنى الوجوب، والإلزام، والأمر. كما أنّه سبحانه وتعالى قد قرن شكرهما بشكره في قوله سبحانه وتعالى:" أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ "، سورة لقمان، 14 ، فإنّ الشّكر لله سبحانه وتعالى يكون على نعمة الإيمان، وأمّا شكر الوالدين فيكون على نعمة التّربية الصّالحة، وقد قال سفيان بن عُيينة:" مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَقَدْ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَمَنْ دَعَا لِوَالِدَيْهِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فَقَدْ شَكَرَهُمَا ".
وقد ورد في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود قال:" سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَال أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَل؟ قَال: الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا قَال: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَال: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَال: الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ "، رواه البخاري . فقد أخبرنا النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنّ برّ الوالدين من أفضل الأعمال بعد الصّلاة، والتي هي دعامة من دعائم الإسلام.
وقد قدّم الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - برّ الوالدين في الحديث على الجهاد، حيث أنّ برّ الوالدين فرض عين، ولا ينوب عنه فيه أحد آخر، فقد قال رجل لابن عبّاس:" إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَغْزُوَ الرُّومَ، وَإِنَّ أَبَوَيَّ مَنَعَانِي. فَقَال: أَطِعْ أَبَوَيْكَ، فَإِنَّ الرُّومَ سَتَجِدُ مَنْ يَغْزُوهَا غَيْرَكَ "، ولا يختصّ برّ الوالدين بكونهما مسلمين، بل حتى ولو كانا كافرين فإنّه يجب عليه أن يبرّهما، ويحسن إليهما، ما لم يأمراه بشيء فيه شرك أو معصية للخالق (3)، قال سبحانه وتعالى:" لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "، سورة الممحتنة، 8 .
……………….....………..…………......……….....................................………………..
كيفيّته
إنّ البرّ بالوالدين يكون
من خلال الإحسان إليهما، والقول اللين، والتّرفق بهما، ومحبّتهما، وتجنّب القول
الغليظ الذي يسبب نفرتهما، ومنادتهما بما يحبّان من الألفاظ، وقول ما ينفعهما في
أمور دنياهما وآخرتهما، وتعليمهما ما يحتاجان من أمور الدّنيا والدّين، ومعاشرتهما
بالمعروف، وهو كلّ ما عرف جوازه في الشّرع، وإطاعتهما في كلّ ما يأمرانه به، من
أمر واجب أو مندوب، وترك ما يأمران بتركه ما لم يكن في ذلك ضرر.
وإنّ من برّ الوالدين أيضاً عدم محاذاتهما في المشي، وعدم التقدّم عليهما، إلا في حالات الضّرورة مثل الظلام، وعدم الجلوس عند الدّخول عليهما إلا بإذنهما، وأن لا يقوم إلا بإذنهما، ولا يستقبح منهما أمراً حال كبرهما وعجزهما لأنّ ذلك يؤذيهما، قال الله سبحانه وتعالى:" وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا "، سورة النّساء، 36 .
وقال ابن عبّاس:" يُرِيدُ الْبِرَّ بِهِمَا مَعَ اللُّطْفِ وَلِينِ الْجَانِبِ، فَلاَ يُغْلِظُ لَهُمَا فِي الْجَوَابِ، وَلاَ يُحِدُّ النَّظَرَ إِلَيْهِمَا، وَلاَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا "، وإنّ من أوجه البرّ والأحسان إليهما أيضاً عدم الإساءة إليهما بسبّ أو شتم، أو إيذاؤهما بأيّ شكل من الأشكال، لأنّ ذلك يعدّ من الكبائر بلا أيّ خلاف، فقد ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" إِنَّ مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمَ الرَّجُل وَالِدَيْهِ، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ: وَهَل يَشْتُمُ الرَّجُل وَالِدَيْهِ؟ قَال: نَعَمْ، يَسُبُّ الرَّجُل أَبَا الرَّجُل فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ "، وفي رواية أخرى:" إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُل وَالِدَيْهِ. قِيل: يَا رَسُول اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُل وَالِدَيْهِ؟ قَال: يَسُبُّ أَبَا الرَّجُل فَيَسُبُّ الرَّجُل أَبَاهُ "، رواه البخاري
وإنّ من برّ الوالدين أيضاً صلة من كان ودّاً لهما (3)، فقد ورد في الصّحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول:" إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُل أَهْل وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ، فَإِنْ غَابَ أَوْ مَاتَ يَحْفَظُ أَهْل وُدِّهِ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ مِنْ تَمَامِ الإِحْسَانِ إِلَيْهِ "، رواه مسلم.
……………………………………….............….....…...........................…......…………...
بر الوالدين بعد موتهما
يمكن للإنسان أن يبرّ
والديه بعد موتهما وذلك من خلال ما يلي: (2)
- الاستغفار للوالدين، وذلك لقوله سبحانه وتعالى ذاكراً دعاء إبراهيم:" رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ "، سورة إبراهيم، 40-41 .
- الدّعاء للوالدين، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له "، رواه الألباني .
- قضاء الدّين عن الوالدين، وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" نفس المؤمن مُعَلّقة بدَيْنِه حتى يُقْضى عنه "، رواه الترمذي، ولديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال:" يغفر للشهيد كلّ شيء إلا الدّين "، رواه الألباني .
- قضاء النّذور عن الوالدين، مثل نذر الصّيام، أو نذر الحجّ أو العمرة، أو غير ذلك ممّا يمكن النّيابة فيه.
- قضاء الكفّارات عن الوالدين، مثل كفّارة اليمين، وكفّارة قتل الخطأ، وغير ذلك، وذلك لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه:" أنَّ امرأةً رَكِبتِ البَحرَ فنذرَت، إنِ اللهُ تبارَكَ وتعالى أنجاها أن تَصومَ شَهْرًا، فأنجاها اللهُ عزَّ وجلَّ، فلَم تَصُمْ حتَّى ماتَت، فجاءَتْ قَرابةٌ لَها إمَّا أُختَها أو ابنتَها إلى النَّبيِّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - فذَكَرَت ذلِكَ لهُ، فقالَ: أرأيتَكِ لَو كانَ علَيها دَينٌ كُنتِ تَقضينَهُ؟ قالَت: نعَم. قال: فدَينُ اللَّهِ أحقُّ أن يُقضَى، فَاقضِ عن أمِّكِ "، رواه الألباني .
- تنفيذ وصيّة الوالدين، والأسراع بتنفيذها.
- إكرام أصدقاء الوالدين بعد موتهما، وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه قال:" إنّ أبرَّ البرّ صلةُ الولدِ أهلَ وُدِّ أبيه "، رواه مسلم .
- التّصدق عن الوالدين، وذلك لحديث سعد بن عبادة رضي الله عنه، أنّ أمّه توفيت، فقال:" يا رسولَ اللهِ إنَّ أمي تُوفيتْ وأنا غائبٌ عنها، فهل ينفعها شيء إن تصدَّقتُ بهِ عنها؟ قال: نعم. قال: فإنّي أُشهدكَ أنَّ حائطي بِالْمِخْرَافِ صدقةٌ عليها؟ قال: نعم، قال: فإنّي أشهِدُك أنّ حائطي المخراف صدقةٌ عليها "، رواه البخاري .
قصة قصيرة عن الأم وابنها^